الأحد، 25 يوليو 2010

الموهبة الضائعة، أسوأ ما بالحياة



العالم العربي يزخر بالمواهب. ومليء بالعقول الراجحة التي بإمكانها أن تنقش اسمها على جدار التاريخ العالمي وليس العربي فقط. إلّا أننا في عالمنا العربي وللأسف، اعتدنا على وأد المواهب وهي جنين، وأن تُصادر أحلام الطامحين لملامسة النجوم وتُدفن في الطين. وهذا هو احد أسباب التأخر في الوطن العربي – وأد المواهب- وكثرة أحلامهم الضائعة التي تحولت الى كوابيس.

لست جازماً أن المواهب الضائعة فقط في البلدان العربية، أو أنها فقط في الدول النامية أو دول العالم الثالث. أنها موجودة أيضاً في الدول الكبرى. فهي ليست مجتمعات فاضلة وليست كاملة وبها نرى كلمة ذوي النفوذ السياسي والمالي هي الأقوى مع أفضلية للأولى. من منا لا يعرف بيل غيتس "صاحب شركة مايكروسوفت" الذي كان من الممكن أن تنطمر موهبته بين جدران جامعة هارفارد، ليونيل ميسي "لاعب برشلونة" الذي واجه قرار ترك الكرة بسبب القصور المادي والمرض. هذا فضلاً عن التنفذ السياسي في البلاد الأجنبية.

ماذا لو نظرنا في التاريخ العالمي؟

لو استسلم جاليليو "مخترع التلسكوب" لسيطرة الكنيسة، واغتال هتلر أينشتاين "عالم الرياضيات"، وروضت الستالينية قلم ألكسندر سولجنتسين "أديب روسي" الذي زلزل موسكو والغرب بروايته أرخبيل الغولاغ. لكان العالم متخلفاً في الأدب والعلوم الرياضية وعلم الفضاء، ففقد أي موهبة هو فقد لجزء من تاريخ التطور وبذلك التأخر بالعلم، لأن العلم يتطور بالتراكم.

عندما أقرأ للشاعر الروسي بوشكين، ينفطر قلبي لقوة حبه لزوجته الخائنة التي كانت السبب في موته المبكر وحرمتنا من إبداعاته. كما حرمتنا الحرب الأهلية الاسبانية من شعراء ومثقفين وموسيقيين واكتفوا بعد ذلك بنصب تذكاري لهذا وذاك. ماذا لو قتل التاريخ حب أتاتورك لتركيا مقابل نصب تذكاري في بحر أنقرة ؟!! قال أحد الحكماء الروس "الحكمة في الرأس وليس في اللحية" ماذا لو فقدنا رأس توماس أديسون، وجراهامبل، والأخوان رايت. كيف سيكون حالنا؟

عالمنا العربي أيضاً يزخر بالمواهب، بل هو بحر المواهب. لكننا نفتقد الى التشجيع لصقلها والاهتمام بها، والتي كثيرا ما تُصطاد بشباك الإحباط ممن هم حولنا وأقرب الناس الينا –العائلة- ويجتزون جذور القوة التي تدفعنا للإبداع. وأن أفلتنا من شباك العائلة والمجتمع القاسي، نواجه مفترق طريق إما السفر للخارج لتنمية الموهبة وصقلها أو البقاء لتجمدها في الوطن.

للمبدعين العرب بصمات واضحة اقتحمت مجالات عديدة. مَن منا لم يخشع قلبه لشعر نزار قباني ومحمود درويش، مَن منا لم يعرف سفير السلام الفنان مارسيل خليفة بموشحاته وأغاني الحب والثورة. الأديب العالمي نجيب محفوظ، جورجينا رزق والموضة، بطرس بطرس غالي أمين عام سابق للأمم المتحدة. والمفاجأة، كارلوس منعم "رئيس أرجنتيني سابق من أصل سوري". أما في عالم الرياضة "جابرييل عمر باتستوتا، زين الدين زيدان، أندريه أغاسي" جميعهم من أصول عربية. عالم الكيماء (المصري-الأمريكي) أحمد زويل "عضو المجلس الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا للرئيس الأمريكي باراك أوباما" والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء. هل كنا سنعرفهم اليوم كما هم الآن لو لم يقتحموا بلاد الغرب ؟!!

الموهبة الضائعة هو أسوأ شي في الحياة، وواقعنا اعتاد على كنس المواهب والإبداعات. نحن في مأساة. نريد أن نرى جوائز نوبل للعرب، فالأرض التي أنجبت نزار قباني ومحمود درويش ومارسيل خليفة ونجيب محفوظ، تُنجب مَن هم أفضل من لوركا وهيغو وغوركي. بإمكاننا التقدم، نحن نملك القدرة المالية، والموارد البشرية والعقول الراجحة، ونملك الرغبة. لكننا اعتدنا على الجعجعة من دون أن نرى طحيناً. متى يا ترى سنرى الطحين، ومتى ستتغير مانشيتات الصحف من المبدع الغربي من أصول عربية الى المبدع العربي الذي نمّى إبداعاته وصقل مواهبه على تراب عروبته.